ميدلت بريس.نت- محمد بوبيزة.
يقارب عدد الجمعيات والتعاونيات بكل انواعها حسب مصدر مطلع بإقليم ميدلت خمسة آلاف .وإذا ضربنا هذا العدد في متوسط اعضاء هذه الجمعيات والتعاونيات سنحصل على 25 الف جمعوي بالاقليم.وهو ما يتجاوز ساكنة ( بومية). فالرقم يبدو مخيفا جدا بالنظر إلى مستويات الفوارق الاجتماعية والاقتصادية ونسب الفقر والهشاشة وشظف العيش الذي يطبع التنمية بكل ابعادها بهذا الاقليم الهش.
غير أن هذا الرقم قد يستنبط منه المراقبون لتسويق الوهم مؤشرا يدل على الازدهار والنمو لاسيما وأن العمل الجمعوي يعد ركناً أساسياً في أي مجتمع يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة والمشاركة الاجتماعية.
في اقليم ميدلت شهد القطاع الجمعوي نمواً ملحوظاً كبيرا بعد إنشاء الاقليم سنة 2009 وتم إنشاء جمعيات وتعاونيات بايعاز من عمالة الإقليم آنذاك بهدف الاستفادة من دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تم اطلاقها سنة 2005 ، غير أن أغلب هذا الدعم تحول الى ريع جمعوي حيث استفادت العديد من الجمعيات والتعاونيات من دعم وتمويلات متكررة دون تحقيق تأثير تنموي ملموس؛ ومنها من توقفت بمجرد الحصول على الدعم مما عمق التبعية وغابت الشفافية، وأثر هذا على مصداقية العمل الجمعوي( جمعيات على الورق )واعاق تحقيق أهداف التنمية المستدامة الذي تتغياه فلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
– ففي إقليم ميدلت وحده تجد جمعيات تم توصيفها بأنها( جمعية ثقافية رياضية بيئية سياحية … وإنهاء التوصيف بالتنمية المستدامة) ويتم ذلك لكي تقتنص الدعم من كل المانحين ( ما تزكل حتى ريال).
وهنا فقط بميدلت تجد جمعيات تعنى بصيانة القبور وجمعية تصف نفسها بأنها تهتم بالسقي تسير النقل المدرسي؛ وجمعيات بيئية تسير الرياضة !!!
واغلب الجمعيات أنشئت للحصول على الدعم إما من المجالس الترابية او القطاعات الحكومية أو الوكالات او العمالة ( المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) وقد تقدم طلبات الدعم لكل المانحين.
فالريع الجمعوي بهذا الاقليم يتجلى عندما تحصل جمعيات معينة على تمويلات ودعم مالي متكرر، دون أن تتمكن من تنفيذ مشاريع ملموسة تحقق التنمية أو تترك أثراً إيجابياً على المجتمع.
وترتبط هذه التمويلات في العديد من الأحيان بعلاقات شخصية أو سياسية مما يعزز النفوذ الشخصي على حساب الكفاءة والجودة في تنفيذ المشاريع.
فالتمويلات المخصصة للجمعيات تذهب إلى جمعيات أغلبها صورية لا تقدم الأثر المرجو، حيث أن هذه الجمعيات تفتقر إلى الآليات اللازمة لضمان تنفيذ المشاريع بفعالية، ما يؤدي إلى تبديد الموارد وتراجع التأثير التنموي للمبادرات الجمعوية.
ولا شك أن تمويلات مشاريع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كمشروع استراتيجي وطني تروم الحد من الفقر والهشاشة الاجتماعية وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين ورغم التمويلات الكبيرة المخصصة للتعاونيات والجمعيات من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالاقليم لم يكن لها تأثير فعلي على معدل التنمية البشرية بالاقليم حيث واجهت المبادرة تحديات في ضمان الاستفادة الفعلية لكل الفئات المستهدفة.
وتشير تقارير صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات إلى أن جزءاً من التمويلات المخصصة للمبادرة تم توجيهه إلى جمعيات تفتقر إلى المهنية والشفافية، مما أسهم في تفاقم ظاهرة الريع الجمعوي. وبينت التقارير غير الرسمية أن حوالي 45 % من المشاريع الممولة لم تكتمل أو تعثرت نتيجة لسوء التدبير ونقص الرقابة، مما أدى إلى نتائج غير مرضية على مستوى تحقيق الأهداف
ولمواجهة ظاهرة تناسل الجمعيات وتكاثرها الغير المفيد والمجدي تبرز الحاجة الملحة لاعتماد تدابير فعالة تضمن توجيه الدعم إلى المشاريع التنموية ذات الأثر المستدام. وذلك بوضع معايير دقيقة لاختيار الجمعيات المستحقة للدعم، و اعتماد نماذج تقييم موضوعية لمشاريع الجمعيات قبل صرف التمويلات.
كما أن تعزيز الرقابة من خلال تفعيل أجهزة مراقبة مستقلة سيضمن متابعة أداء الجمعيات ويحد من حالات سوء التدبير.
ويتطلب الامر ايضا وضع قواعد صارمة لإجبار الجمعيات المستفيدة من التمويل على نشر تقارير شفافة حول إنجازاتها المالية والعملية.
و لتعزيز الشفافية فهذا يقتضي اعتماد منصة رقمية تتيح للمواطنين متابعة توزيع التمويلات ونشر لوائح المستفيدين .
وأخيراً، ينبغي تشجيع الجمعيات القليلة بالاقليم التي تتميز بالكفاءة في تنفيذ مشاريعها وتبحث عن شركات فعالة على حساب الجمعيات التي تفتقر إلى القدرات وتتكىء على الريع والمحسوبية والبهرجة الفارغة .
ويظهر جليا ان دعم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بإقليم ميدلت لم يحقق التغيير المنشود رغم الميزانيات الضخمة التي خصصت له؛ وذلك بسبب اختلالات كثيرة ساهمت في تفاقم ظاهرة الريع الجمعوي. ومن الضروري تبني إصلاحات جذرية تضمن توزيع الموارد بشكل عادل وفعال، بما يعزز مصداقية العمل الجمعوي ويحقق تنمية شاملة ومستدامة تعود بالفائدة على الشباب خاصة بالمناطق القروية وباحزمة الفقر المحيطة بالمدن.